Untitled-1
Untitled-1
روضة الصائم

حرف وصناعات : الخِـــبـازة

06 مايو 2019
06 مايو 2019

إعـــــــــداد: حمادة السعيد -

حرف وصناعات .. في الأحاديث والآيات..حرف وصناعات كثيرة تحدث عنها القرآن، وبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، صناعات وصى بها، وصناعات حذّر منها. ومن خلال كلماتنا نتعرف على بعض الحرف والصناعات التي ذكرها الله في كتابه، وتحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تبنى المجتمع أو تهدمه، نتعرف عليها حتى نعمل على الارتقاء بمجتمعنا، وإعلاء حاضر أمتنا.

وهذه الحلقات المكتوبة إنما هي إشارات سريعة وعاجلة، للفت الانتباه إلى قضية مهمة في زمنِ البطالة وهي توجيه أنظار الباحثين عن العمل إلى المهن والحرف وعدم احتقارها أو التهوين من شأنها فلقد حث الإسلام على العمل أيًّا ما كان نوعه، شريطة أن يكون بهذا العمل نافعًا لنفسه والآخرين غير ضار لأحد، ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن أشرف خلق الله وأفضلهم وهم الأنبياء والرسل قد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.

ولقد أشار القرآن الكريم في آياته إشارات واضحة ومباشرة أو ضمنية تفهم في مجمل الآية إلى بعض الحرف والصناعات كذلك حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحين يشير القرآن تصريحا أو تلميحا إلى أمر ما فهو أمر مهم وعظيم فالقرآن لا يتحدث عن أمور تافهة ومن الحرف التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته هي حرفة «الخبازة».

لقد وردت حرفة الخبازة في القرآن الكريم ضمنيا وجاء ذلك في سورة يوسف قال تعالى: «..أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا».

لقد كان ذلك الحدث في السجن والذي يذكره الله في كتابه فيقول (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

يقول الإمام الطبري في تفسيره لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قومًا قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، فطال حزنهم، فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجَروا، إن لهذا أجرًا، إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك، ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك، لقد بورك لنا في جوارك، ما نحبُّ أنَّا كنا في غير هذا منذ حبسنا، لما تخبرنا من الأجر والكفَّارة والطَّهارة، فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف، ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وكانت عليه محبَّة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخلَّيت سبيلك، ولكن سأحسن جِوارك، وأحسن إسارك، فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.

وعن قتادة: (ودخل معه السجن فتيان)، قال: كان أحدهما خبازًا للملك على طعامه، وكان الآخر ساقيه على شرابِه.

ويقول محمد الأمين في تفسيره المعروف بحدائق الروح والريحان عن هذه الآية {ودخل معه}، أي: مع يوسف {السجن فتيان}، وفي الكلام حذف تقديره: فسجنوه فدخل معه السجن غلامان. و(مع) تدل على الصحبة واستحداثها، فدل على أنهم سجنوا الثلاثة في ساعة واحدة. ولما دخل يوسف السجن، استمال الناس بحسن حديثه وفضله ونبله.

وكان يوسف عليه السلام يسلي حزينهم، ويعود مريضهم، ويسأل لفقيرهم، ويندبهم إلى الخير، فأحبه الفتيان، ولزماه، وأحبه صاحب السجن، والقيم عليه، وقال له: كن في أي البيوت شئت، فقال له يوسف: لا تحبني يرحمك الله، فلقد أدخلت على المحبة مضرات أحبتني عمتي فامتحنت بمحبتها، وأحبني أبي، فامتحنت بمحبته، وأحبتني امرأة العزيز، فامتحنت بمحبتها بما ترى.

وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن: إني أعبر الرؤيا، وأجيد -أي: ودخل معه السجن غلامان مملوكان من غلمان ملك مصر الأعظم، وهو الريان بن الوليد بن نزوان، أحدهما خبازه، وصاحب طعامه، والآخر ساقيه، وصاحب شرابه، وكان قد غضب عليهما الملك فحبسهما. وكان السبب في ذلك أن جماعة من أشراف مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله، وقتله، فضمنوا لهذين الغلامين مالا على أن يسما الملك في طعامه وشرابه، فأجابا إلى ذلك، ثم إن الساقي ندم، فرجع عن ذلك، وقبل الخباز الرشوة، وسم الطعام. فلما حضر الطعام بين يدي الملك قال الساقي: لا تأكل أيها الملك، فإن الطعام مسموم. وقال الخباز: لا تشرب فإن الشراب مسموم. فقال للساقي: اشرب، فشربه فلم يضره. وقال للخباز: كل من طعامك، فأبى. فأطعم من ذلك الطعام دابة فهلكت. فأمر الملك بحبسهما فحبسا مع يوسف.

فالخبز من نعم الله علينا والتي قد لا ينتبه إليها أحد وهو أحد أنواع الأغذية التي لا غنى لإنسان عنها سواء كان غنيا أو فقيرا يتناولها يوميا وعلى عدة مرات كل على حسب غناه أو فقره.

ولأن الخبز من أجل نعم الله علينا فقد تناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث عنه ففيما روى الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن أبي سكينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أكرموا الخبز فإن الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله وفيما رواه أبو نعيم في حلية الأولياء عن عبدالله بن أم حرام الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماوات والأرض).

فإن كانت هذه نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخبز نظرة إجلال وإكرام فمن هذا الباب النظر إلى من يخبزه بنفس النظرة من احترام وتوقير وتعظيم شأن وتقدير.

وليتأمل كل منا هذا الخبز الذي نأكله جميعا، كم مر من مراحل وكم من أشخاص قد جعل الله رزقهم الذي يرزقهم به من خلاله! فهناك أولا: الفلاح أو الزارع الذي يقوم بزراعته فيأتي مَن يحرث الأرض ويأتي من يزرع، ثم الذي يحصد، ثم مَن يبيع له الفلاح الحَب الذي منه يخبز الخبز، ثم آخر يعمل بطحن الحَب فيحوله إلى دقيق صالح للعجن، ثم مَن يعجن هذا الدقيق، ويأتي الخباز الذي يخبز هذا الدقيق، ثم البائع للخبز ثم الموزع للخبز، سلسلة طويلة من العمال والصناع جعل الله رزقهم من هذا الخبز، وسبحان القائل في كتابه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).

لكن العجب يزول إذا ما قرأنا قول الله -تبارك وتعالى- مبينا الأرزاق وقسمتها وحكمتها: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

فهذا هو هدي نبينا فمن اتبع هذا الهدى عاش كريما وكفى بصاحب الحرفة فخرا أن أفضل خلق الله وهم الأنبياء والرسل كانوا يأكلون من عمل يدهم وقد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.